عدد المساهمات : 57 العمر : 34 الموقع : لا يوجد انت شغال ايه ؟؟؟ : طالب المزاج ايه انهارده ؟؟؟ : عال العال المزاج : السٌّمعَة : 0 نقاط : 57358 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
موضوع: الفتنة الكبرى - الجزء التاسع والاربعون الإثنين مارس 16, 2009 1:28 pm
r، ولكنهم لا يستطيعون الطعن فيه؛ لئلاّ ينكشف أمرهم؛ فشرعوا رماحهم لينالوا من أصحابه المرضيِّ عنهم منه r، ومن رب العالمين I.
انشغل أمير المؤمنين علي > بعد صفين بقتال الخوارج، ولا تحدثنا كتب التاريخ عن اجتماع الحكمين بعد عام كما تم تحديده، ولكن حدثت عدة وقائع؛ إذ عزل علي > والي مصر من قِبَلِه قيس بن سعد بن عبادة، بعدما شَهَّر به أهل الفتنة، وأذاعوا وجود اتصالات بينه وبين معاوية >، وعيَّن مكانه محمد بن أبي بكر الذي وقع في عدة أخطاء، وهاجم مجموعة ممن ساءهم مقتل الخليفة عثمان >، واعتزلوا بعيدًا عن الناس ينتظرون اجتماع الأمة، واستقرار الخلافة؛ فاستنجد هؤلاء بمعاوية الذي كان يعتقد أن محمد بن أبي بكر ممن خرج على عثمان >، وقُتِل محمد بن أبي بكر في إحدى معاركه؛ فأرسل معاوية > عمرَو بن العاص >، فدخل مصر، وضمَّها للشام، فأصبحت مكسبًا ضخمًا للشام، وخسارة فادحة للكوفة.
جرت مكاتبات بين علي > ومعاوية > أسفرت عن وضع الحرب بينهما على أن يكون لعلي العراق، ولمعاوية الشام؛ يقول الطبري: "وفي هذه السنة - 40 هـ - جرت بين عليٍّ وبين معاوية المهادنة - بعد مكاتبات جرت بينهما - على وضع الحرب بينهما، ويكون لعليٍّ العراق ولمعاوية الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو.
ولما لم يعط أحد الفريقين صاحبه الطاعة، كتب معاوية إلى عليٍّ: أمَّا إذا شئت فلك العراق ولي الشام، وتكف السيف عن هذه الأمة، ولا تهريق دماء المسلمين. ففعل ذلك، وتراضيا على ذلك، فأقام معاوية بالشام بجنوده يجبيها وما حولها، وعليٌّ بالعراق يجيبها ويقسمها بين جنوده[9].
[2] مصنف ابن أبي شيبة 8/ 376. البلاذري: أنساب الأشراف 3/ 131.
[3] انظر: تاريخ الطبري من قوله: "فلما انتهى علي إلى الرقة... إلى قوله: ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين للهجرة" في خمس وستين صفحة، 5/296-330، 6/ 30. نقلاً عن د/ حامد محمد الخليفة: الإنصاف ص437.
[4] ابن خياط: تاريخ ص196. المسعودي: مروج الذهب 2/ 450.
لقد عانى أمير المؤمنين علي > كثيرًا من عصيان جنوده، ولم يكن يمكنه > أن ينتصر بمثل هؤلاء؛ فقد كثرت مواقفهم التي خذلوه فيها وتعدَّدت، بينما كان أهل الشام طوعًا لمعاوية >.
سارت الأمور على هذا المنوال حتى قدَّر الله U أن يستشَهد علي >، وكان ذلك على أيدي الخوارج؛ فقد كان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي، وعمرو بن بكر التميمي السعدي، وهم من الخوارج، اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم، وقالوا: ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليًّا، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبد الله: أنا أكفيكم معاوية. وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كل رجل منهم الجهة التي يريد؛ فأتى ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه بالكوفة وكتمهم أمره، ورأى يومًا أصحابًا له من تيم الرباب، وكان عليٌّ قد قتل منهم يوم النهر عدة، فتذاكروا قتلى النهر، ولقي معهم امرأة من تيم الرباب اسمها قطام، وقد قتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها أخذت قلبه فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي. فقال: وما تريدين؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبدًا وقينةً وقتل علي.
فقال: أما قتل علي فما أراكِ ذكرته وأنت تريدينني. قالت: بلى، التمس غرته، فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. قال: والله ما جاء بي إلا قتل علي، فلك ما سألت.
قالت: سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك. وبعثت إلى رجل من قومها اسمه وردان وكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة، فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟
قال: قتل علي.
قال شبيب: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئًا إدًّا! كيف تقدر على قتله؟
قال: أَكْمَنُ له في المسجد، فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها.
قال: ويحك! لو كان غير عليٍّ كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام، وما أجدني أنشرح لقتله.
قال: أما تعلمه قتل أهل النهر العبَّاد الصالحين؟ قال: بلى. قال: فنقتله بمن قتل من أصحابنا. فأجابه.
فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها عليٌّ للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس، الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي، ولا لأصحابك! وهرب وردان فدخل منزله، فأتاه رجل من أهله، فأخبره وردان بما كان، فانصرف عنه وجاء بسيفه فضرب به وردان حتى قتله، وهرب شبيب في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له: عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجلس عليه، فلما رأى الحضرمي الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده، خشي على نفسه فتركه ونجا، وهرب شبيب في غمار الناس.
ولما ضرب ابن ملجم عليًّا قال: لا يفوتنكم الرجل. فشد الناس عليه فأخذوه، وتأخر علي وقدم جعدة بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانئ، يصلي بالناس الغداة، وقال علي: أحضروا الرجل عندي. فأدخل عليه.
فقال: أيْ عدو الله! ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته أربعين صباحًا، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه. فقال علي: لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله. ثم قال: "النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي. يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قد قُتِل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن، إن أنا مِتُّ من ضربتي هذه فاضربه ضربةً بضربة، ولا تمثلَنَّ بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور)".
هذا كله وابن ملجم مكتوف، فقالت له أم كلثوم - ابنة علي-: أيْ عدو الله! لا بأس على أبي، والله مخزيك!
قال: فعلى من تبكين؟ والله إن سيفي اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة بأهل مصر ما بقي منهم أحد[1].
لقد تكالب أهل الفتن على علي >؛ فمن السبئيين إلى الخوارج كلهم يسيء إليه، ويخرج عليه، ويحرض، ويسعى في قتله طلبًا لامرأة جميلة مدعيًا أنه يتقرب إلى الله U، وما بهم إلا أن الشيطان قد استعبدهم.
صُدِمت الأمة بمقتل علي >، كما صدمت بمقتل عثمان t، وبدا للعقلاء منها أن الفتنة ستزيد اشتعالاً، وأن الدماء ستحفر لها نهرًا جديدًا. وبالفعل قام أهل الكوفة، وبايعوا الحسن بن علي >، فجعل على قيادة الجيش عبيد الله بن العباس[2].
خرج الحسن > بجيش كثيف إلى المدائن للقاء معاوية >، يصفه الحسن البصري ~ بقوله: "استقبل - والله - الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائب أمثال الجبال"[3]. وأتى معاوية حتى نزل مسكن، وهناك شاهد أهل الشام تلك الجحافل، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولِّي حتى تقتل أقرانها!
فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أيْ عمرو! إن قَتَل هؤلاءِ هؤلاءِ وهؤلاء هؤلاء مَن لي بأمور الناس، مَن لي بنسائهم، مَن لي بضيعتهم. فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه فدخلا عليه فتكلما، وقالا له فطلبا إليه؛ فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك. قال: فمَن لي بهذا؟
قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئًا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه.
فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقبِل على الناس مرةً وعليه أخرى ويقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)[4].
لقد أنبأ الرسول r بما سيحدث بعد وفاته بثلاثين عامًا في معجزة عظيمة أسفرت عن التئام شمل المسلمين بعد عَقْدٍ كاملٍ تقريبًا من الفتن، والمؤامرات، والدسائس التي حاكها أهل الفتن من اليهود والمجوس والشيعة.
لقد سار الحسن بن علي > على نهجه الذي اختاره من حقن دماء المسلمين، كما كان يُوصِي أباه من قبل؛ فحفظ الإسلام والمسلمون له هذا الصنيع طوال الدهر.
وإنه لدرس لنا - نحن المسلمين - بالتنبُّه لأهل الفتن ومكائدهم. هذا الدرس دفع الصحابة } ثمنه غاليًا؛ فعلينا ألا نكرِّر هذه التجربة، عسى الله U أن ينجِّي هذه الأمة من السوء وأهله.