عدد المساهمات : 57 العمر : 34 الموقع : لا يوجد انت شغال ايه ؟؟؟ : طالب المزاج ايه انهارده ؟؟؟ : عال العال المزاج : السٌّمعَة : 0 نقاط : 57388 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
موضوع: الفتنة الكبرى - الجزء السادس والأربعون الإثنين مارس 16, 2009 1:25 pm
فقال: يا أيها الناس، إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي!
فقالوا: لا والله ولا نعمة عين! فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت ورجعت، وجاءت أم حبيبة على بغلةٍ لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها، فقالت: إن وصايا بني أمية عند هذا الرجل، فأحببت أن أسأله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام والأرامل. فقالوا: كاذبة، وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فنفرت وكادت تسقط عنها، فتلقاها الناس فأخذوها وذهبوا بها إلى بيتها[7].
إنَّ تجرؤ هؤلاء المارقين على أم المؤمنين أم حبيبة؛ لَيبين ما وصلوا إليه من خروج عن الدين، واستهانة بحرم رسول الله r، بل وعداوة للرسول r نفسه.
ثم بدأ ذو النورين > يُذّكِّرهم بسابقته في الإسلام، ومكانته من رسول الله r، وتضحياته من أجل الدين؛ فقال:
أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها، فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين؟
قالوا: نعم.
قال: فلِمَ تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟
قيل: نعم.
قال: فهل علمتم أن أحدًا منع أن يصلي فيه قبلي؟ ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عني كذا وكذا؟ أشياء في شأنه.
ففشا النهي في الناس يقولون: مهلاً عن أمير المؤمنين.
سارت الأحداث في الاتجاه الذي خطط له أهل الفتنة؛ فشدَّدوا الحصار على دار أمير المؤمنين، وقد جاء عدد من الصحابة وأبنائهم يدافعون عنه، ولكنه أمرهم بترك بالانصراف وترك الدفاع عنه؛ فعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى أن عليه سمعًا وطاعة إلا كف يده وسلاحه. ثم قال: قم يابن عمر - وعلى ابن عمر سيفه متقلدًا - فأخبر به الناس. فخرج ابن عمر والحسن بن علي. وجاء زيد بن ثابت فقال له: إن هؤلاء الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله مرتين. قال عثمان: لا حاجة بي في ذلك، كُفُّوا.
وقال له أبو هريرة: اليوم طاب الضرب معك. قال: عزمت عليك لتخرجنَّ.
وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عنده، فإنه جاء الحسن والحسين وابن عمر وابن الزبير ومروان، فعزم عليهم في وضع سلاحهم وخروجهم، ولزوم بيوتهم.
فقال له ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا لا نبرح. ففتح عثمان الباب، ودخلوا عليه في أصح الأقوال[1]؛ وذلك يوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35هـ[2].
قُتِل الشهيد عثمان بن عفان >، وكانت صدمة لم يتوقعها المسلمون، وطعنة غدر أُعِدَّت بدقة لتوجَّه إلى قلب الأمة الإسلامية؛ فأصابت المسلمين بالذهول حتى قيل: إن المدينة بقيت خمسة أيام بعد استشهاد عثمان > بلا خليفة[3].
لم يكن في المسلمين أولى بالخلافة من علي >؛ لمكانته وفضله وإمكانياته، ولكن عليًّا وسائر الصحابة لم يكونوا يُقبلون على الإمارة، أو يتشوفون إليها، بل كل واحد فيهم كان يعتبرها تكليفًا ثقيلاً يجدر به أن يبتعد عنه، وخاصةً أن من سيتحمل المسئولية سيكون عليه عبء مواجهة الفتنة وأهلها؛ لذا ظل أهل الفتنة هذه الأيام يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه، يأتي المصريّون عليًّا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة، فإذا لقوه باعدههم وتبرّأ منهم ومن مقالتهم مرَّة بعد مرَّة؛ ويطلب الكوفيون الزّبير فلا يجدونه، فأرسلوا إليه حيث هو رسلاً، فباعدهم وتبرّأ من مقالتهم؛ ويطلب البصريّون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرّأ من مقالتهم مرَّة بعد مرَّة؛ وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون، فلما لم يجدوا ممالئًا ولا مجيبًا، جمعهم الشرّ على أولّ من أجابهم، وقالوا: لا نولِّي أحدًا من هؤلاء الثلاثة. فبعثوا إلى سعد بن أبي وقّاص وقالوا: إنك من أهل الشورى، فرأينا فيك مجتمع، فاقدم نبايعك. فبعث إليهم: إني وابن عمر خرجنا منها، فلا حاجة لي فيها على حال؛ وتمثَّل:
لا تخلطنَّ خبيثات بطيِّبة... واخلع ثيابك منها وانجُ عريانا
ثمّ إنهم أتوا ابن عمر عبد الله، فقالوا: أنت ابن عمر، فقم بهذا الأمر. فقال: إنَّ لهذا الأمر انتقامًا، والله لا أتعرّض له، فالتمسوا غيري. فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون، والأمر أمرهم[4].
ولما أصبحوا يوم البيعة، وهو يوم الجمعة، حضر الناس المسجد، وجاء علي فصعد المنبر وقال: أيها الناس، عن ملأٍ وإذن، إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنتُ كارهًا لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم، ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي، وليس لي أن آخذ درهمًا دونكم، فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد. فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس[6].
فلما أكَّد المسلمون رغبتهم في بيعته؛ قال: ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفيًّا، ولا تكون إلاّ عن رضا المسلمين. فلمّا دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه، ثم بايعه الناس[7].
لقد كان علي > كارهًا للخلافة، غير راغب فيها، ولكنه تولاّها رغمًا عن إرادته - لا إكراهًا - ولكن حرصًا على وَحْدة الأمة، وحفظًا لكيانها الذي يتعرض لعاصفة عاتية توشك أن تقتلع جذوره، وتعيد أمة الإسلام إلى زمن الجاهلية مرةً أخرى. يقول القاضي ابن العربي: "فانعقدت له البيعة ولولا الإسراع بعقد البيعة لعليٍّ لجرى على من بها من الأوباش ما لا يرقع خرقه، ولكن عزم عليه المهاجرون والانصار ورأى ذلك فرضًا عليه، فانقاد إليه[8].
بدأ علي > خلافته التي لم تستقرّ له، ولم يهدأ له فيها بال بمواجهة رغبات المسلمين المتطلعة للقصاص من قتلة عثمان >. ولا شك أن القصاص لعثمان > واجب، ولا شك أيضًا أن عليًّا > كان حريصًا على تنفيذ القصاص، ولكنه - وهو الخبير المجرِّب - رأى أن أهل الفتنة الذين قتلوا عثمان هم المسيطرون على أَزِمَّة الأمور في المدينة الآن، ولو حاول تنفيذ القصاص لانقلب كل هؤلاء على أهل المدينة قتلاً وتمثيلاً، وهم ليسوا بأهل دين وتقوى، بل أهل فسق وفجور وجرأة على الدماء والأموال؛ لذا رأى علي > تأجيل تنفيذ القصاص حتى تستقر الأمور في المدينة، ويعود الهدوء إليها، ويرجع أهل الفتنة إلى بلادهم، ويتم التحقيق في حادث القتل، وتحديد القتلة ومن عاونهم بأعينهم، ثم يتم القصاص. ومما يثبت هذا ما رواه تاريخ الشعبيّ، قال: "خرجت عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكَّة بعد مقتل عثمان، فلقيها رجل من أخوالها، فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على عليّ، والأمر أمر الغوغاء"[9].
وكان كثير من الصحابة مع علي > في رأيه، ولكن كان هناك مجموعتان يرون رأيًا مخالفًا؛ فكانوا يرون وجوب القصاص الفوري من قتلة عثمان >، وقد كان الفريق الأول يضم السيدة عائشة <، وطلحة بن عبيد الله t، والزبير بن العوام {، والفريق كله من أهل الجنة كعلي > تمامًا.
أمَّا الفريق الثاني فكان يضم معاوية بن أبي سفيان > والي الشام من قِبَل عثمان، والذي يعتبر نفسه ولي دمه؛ لأنه من بني أمية مثله.
أرسل علي > إلى معاوية يبلغه ببيعة المسلمين له، ويطلب منه ومن أهل الشام البيعة، ولكن معاوية > أرسل إليه يطلب منه أن يقتص أولاً من قتلة عثمان، ثم يبايعه، أو أن يُخَلِّي علي > بين معاوية وأهل الشام وبين قتلة عثمان ليقتصوا منهم، ويكون الأمر بعيدًا عن الخليفة؛ فلا يتحمل مسئوليته أمام أهل الفتنة، ثم يبايع معاوية وأهل الشام عليًّا بعد ذلك. ولكن عليًّا > رفض هذه العروض، واعتبر ذلك عصيانًا من معاوية >؛ فقرَّر عزله عن الشام، وأرسل سهل بن حنيف واليًا جديدًا، ولكن أهل الشام منعوه من الوصول، وردُّوه إلى المدينة.
[1] العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ص138- 141.
قرَّر علي > أن يغزو معاوية وأهل الشام، باعتبار الشام أصبح إقليمًا خارجًا ومنشقًّا عن الدولة، وهي نظرة وجيهة؛ فقد بايع المسلمون، وهذا والٍ يرفض البيعة، ويرفض السمع والطاعة، على حين رأى معاوية > أنه وأهل الشام لم يبايعوا عليًّا > بعدُ؛ لذا لا ينطبق عليهم حكم الخارجين؛ فلهم عذر، ولكن الحق كان مع علي >، وستثبت الأحداث صحة موقفه هو.
بينما علي > يستعد للخروج إلى الشام، وجد أن الفريق الثاني - الذي يضم السيدة عائشة والزبير وطلحة - قد خرج دون إنذار إلى البصرة؛ فقد رأى هؤلاء الصحابة الكرام أن عليًّا > في موقف حرج يمنعه من القصاص، ووجدوا في أنفسهم وأنصارهم القدرة على ذلك؛ ومن ثَمَّ قرَّروا الخروج إلى البصرة لتنفيذ القصاص في قتلة عثمان >، وللإصلاح بين المسلمين، وإيقاف الخلافات بما لهؤلاء الصحابة الكرام جميعًا لدى المسلمين من مكانة، وكان ذلك في شهر جمادى الآخرة سنة 36هـ.
فُوجئ علي > بهذا التحرك؛ فقرَّرَ بدلاً من المسير إلى أهل الشام أن يتجه إلى البصرة بجيشه لا ليقاتل هؤلاء الصحابة، بل ليردهم إلى المدينة، ولكنَّ الحسن بن علي > نصحه بعدم الذهاب؛ لأنه > يرى أن تواجه الجيوش لا بد أن يسفر عن حروب وخسائر دامية، ولكن عليًّا > صمَّم على الذهاب.