عدد المساهمات : 57 العمر : 34 الموقع : لا يوجد انت شغال ايه ؟؟؟ : طالب المزاج ايه انهارده ؟؟؟ : عال العال المزاج : السٌّمعَة : 0 نقاط : 57388 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
موضوع: الفتنة الكبرى - الجزء الخامس والاربعون الإثنين مارس 16, 2009 1:23 pm
للصحابة في قلوب المسلمين مكانة سامية، لا يفوقها إلا مكانة النبي r؛ وما ذلك إلا لما بذلوه من أجل نصرة الرسول r، ونشر الدين، وما قدَّموه من تضحيات جسيمة بالمال والوقت والنفس لأجل رفعة راية الإسلام.
وقد جعل الله U للصحابة مكانة كبيرة بين البشر؛ فقد أثنى عليهم قائلاً: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الفتح: 29].
ولهذا يُجِلُّ المسلمون الصحابة إجلالاً كبيرًا، ولا يقبلون أن يتطاول أحد عليهم ولو بلفظ.
ولا يعني هذا أن الصحابة معصومون من الخطأ؛ فقد قال رسول الله r: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ~ واصفًا حال مبغضي الصحابة، ومبينًا معتقدهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي r، فلم يمكنهم ذلك؛ فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابه صالحين، وذلك أنه ما كان منهم رجل إلا ينصر الله ورسوله r، ويذبُّ عن رسول الله r بنفسه وماله، ويعينه على إظهار دين الله، وإعلاء كلمته، وتبليغ رسالاته وقت الحاجة، وهو حينئذٍ لم يستقر أمره ولم تنتشر دعوته، ومعلوم أن رجلاً لو عمل به بعض الناس نحو هذا، ثم آذاه أحد لغضب له صاحبه، وعدَّ ذلك أذى له (أي للرسول r )[2]. "[1]. ولكن مكانة الصحابة تقتضي أن لا يتجاوز أحد من المسلمين في حقهم؛ وإلا كان ذلك علامة على نقص الدين في نفسه؛ ولذا قال الإمام مالك
من هنا صارت دراسة فترة الفتنة الكبرى - التي بدأت بعد ست سنوات من حكم ذي النورين عثمان بن عفان >، واستمرت فترة حكم أمير المؤمنين علي > - بشكل محايد منصف واجبة؛ لكي نذبَّ الأذى عن صحابة رسول الله r الذين تمالأ عليهم المنافقون وأصحاب الأهواء ليطعنوا فيهم مستغلين ما وقع من أحداث؛ فتظاهروا بالدفاع عن طرف، والهجوم على طرف آخر؛ ليتوصلوا إلى غرضهم الخبيث بالإساءة للطرفين، ومن ورائهم رسولهم ونبيهم الذي جاءهم بالحق من عند الله I.
منذ نهاية عصر الفاروق عمر > بدت ملامح التغير في المجتمع المسلم واضحة للعيان؛ فقد اتسعت الفتوح، وفاض المال بأيدي المسلمين الذين كثروا، ودخل فيهم عناصر جديدة كثيرة من أهل البلاد المفتوحة مثَّلت الأغلبية خلال سنوات معدودة، وكانت هذه الغالبية منها من كان مخلصًا لله U في إسلامه، ومنها من كان موتورًا يريد الانتقام من الإسلام الذي هدم ديانته، وقضى على دولته، كما كان حال بعض اليهود والفُرس، كما ساد الميل إلى الدنيا في نفوس كثير من المسلمين؛ فركن بعضهم إلى الدنيا وزينتها.
وما كانت تلك المستجدات لتمر على عبقري ملهَم كعمر بن الخطاب >، الذي تعب من معاناته مع هؤلاء الداخلين حديثًا، ومع المتآمرين، ومع المائلين للدنيا؛ فقد مدَّ يديه إلى السماء، ودعا الله I قائلاً: "اللهم كبُرَت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرط"[1].
تغيرت الأحوال إذن، وأسوأ من ذلك تغيُّر النفوس، مما جعل أمير المؤمنين عثمان > في مأزق؛ فقد حكم قومًا غير من كان عمر > يحكمهم في بداية خلافته؛ فقد كان عمر > يحكم الصحابة، أمَّا عثمان > فكان أغلب رعيته ممن لم يروا رسول الله r، ولم يتأدَّبوا بأدبه، ومنهم من غرَّته الدنيا، واستولت على قلبه، وغرق في بحار أموال الفتوحات، وكان لا بد من حدوث الفتنة؛ فقد أخبر بها رسول الله r، فعنحذيفة قال: "كنا جلوسًا عند عمر t، فقال: أيُّكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت أنا كما قاله. قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء. قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي. قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر. قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا. قال: أيُكسَر أم يُفتح؟ قال: يكسر. قال: إذن لا يغلق أبدًا. قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نَعَمْ، كما أن دون الغدِ الليلةَ إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط. فَهِبْنَا أن نسأل حذيفة، فأمرْنَا مسروقًا فسأله، فقال: الباب عمر[2].
إذن كان الصحابة } يعلمون أن استشهاد عمر > هو فتحٌ لِباب الفتنة؛ لذا كان أمير المؤمنين عثمان > حريصًا على مداراة من يخالفونه، ويُكثرون من الشكوى من أمرائهم ظلمًا وعدوانًا، وحتى لما كثرت إساءات المارقين، وأشار ولاة عثمان عليه بأخذهم بالشدة؛ قال لهم: "والله إن رَحَى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها"[1].
افترى أهل الفتنة تصرفات باطلة على أمير المؤمنين عثمان >، وأخذوا يطعنون في وُلاته، وهو صابر عليهم، ولكن كان هناك من يحرِّك الفتنة بمهارة وتؤدة ومثابرة؛ فقد كان هناك عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف بابن السوداء، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر والعداوة للإسلام وأهله.
توجه ذلك الرجل إلى البصرة التي كانت تحت إمارة عبد الله بن عامر الذي بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة العبدي، وكان عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، هو الرجل النازل عليه، واجتمع إليه نفر، فطرح إليهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه. فأرسل إليهم ابن عامر فسأله: من أنت؟
فقال: رجل من أهل الكتاب رغبت في الإسلام وفي جوارك.
فقال: ما يبلغني ذلك، اخرج عني. فخرج حتى أتى الكوفة فأُخرج منها، فقصد مصر فاستقر بها وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، وتختلف الرجال بينهم[2].
وكان ابن سبأ يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر لأهل البيت، ويقول: إن محمدًا يرجع كما يرجع عيسى، وعنه أخذ ذلك أهل الرجعة، وإن عليًّا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم يجز وصيته، وإن عثمان أخذ الأمر بغير حق، ويحرض الناس على القيام في ذلك، والطعن على الأمراء[3].
وسواء كان ابن سبأ هو الذي قام بهذا، أو أنه شخصية خيالية كما يرى عدد من الباحثين؛ فإن هناك من كان يقوم بهذا الدور، سواء كان فردًا أو جماعة.
ظلَّت الرسائل تُتَبادَل بين أهل الفتنة في مصر والبصرة والكوفة، يحرِّض بعضهم بعضًا فيها على التشنيع على ولاة عثمان >، ثم على عثمان نفسه حتى وصل الأمر إلى الاتِّعاد على قدوم المدينة في موسم الحَجّ، وإعلان العصيان والخروج على أمير المؤمنين >.
كان أمير المؤمنين قد علم بما خططه أهل الفتنة من رجلين شهدا تدبيرهم ومكرهم؛ "فأرسل إلى الكوفيين والبصريين، ونادى: الصلاة جامعة! فأقبل الرجلان، وشهدا بما علما؛ فقال المسلمون جميعًا: اقتلهم؛ فإن رسول الله r قال: "مَن دعا إلى نفسه، أو إلى أحد وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله فاقتلوه". وقال عمر بن الخطاب: لا أُحِلّ لكم إلا ما قتلتموه، وأنا شريككم. فقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، ولا نحادّ أحدًا حتى يركب حدًّا، أو يُبدِي كفرًا. إن هؤلاء ذكروا أمورًا قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبها عليَّ عند من لا يعلم"[1].
وبعد ذلك أخذ الخليفة يرد على كل ما زعموه وافتروه، والمهاجرون والأنصار يؤيدونه في كل ما يقول؛ حتى إذا انتهى من ردِّه، وقد أفحم أهل الفتنة، "أبى المسلمون إلا قتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم؛ فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم، مع اتفاق بينهم على أن يعودوا وسط الحجاج لاقتحام المدينة؛ فتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوال" من عام 35هـ[2].
فوجِئ عثمان > والمسلمون معه بأهل الفتنة يعيدون احتلال المدينة بشكل منظَّم تم إعداده مسبقًا، ويحاصرون دار الخليفة، ويواجهونه بما افتروه عليه، وكان ممن شارك في الفتنة كثير من الجُهَّال الذين غرَّر بهم أهل الفتنة، واستخدموهم في مخططهم الخبيث.
وقف هؤلاء وأولئك أمام دار أمير المؤمنين يحاصرونها، ويُعدِّدون عليه اتهاماتهم؛ فردَّ عليهم > كل اتهام باطل بما يدحضه، ولكن الفتنة والعناد قد تحكما فيهم، وأخذ رءوس الفتنة يقطعون كل السبل أمام إخمادها؛ فخيروه > بين عزل نفسه أو قتله، فرفض >؛ لأن النبي r قد بشَّره بالشهادة؛ فعن أبي موسى الأشعري > أن رسول الله r دخل عند بئر أريس، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟
فقال: عثمان بن عفان.
فقلت: على رسلك. فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "ائذن له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"[3].
كما أنَّ النبي r قد نهاه في حياته عن خلع نفسه من الخلافة التي تأتيه؛ فعن عائشة > أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عثمان فناجاه فأطال، وإني لم أفهم من قوله يومئذٍ إلا أني سمعته يقول له: ولا تنزعن قميص الله الذي قمَّصك"[4].
لذا لما طلب منه أهل الفتنة عزل عماله ورد مظالمهم، وقالوا: والله لتفعلن أو لتخلعن أو لتقتلن. أبى عليهم وقال: لا أنزع سربالاً سربلنيه الله.
فحصروه واشتد الحصار عليه، فأرسل إلى علي وطلحة والزبير فحضروا، فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس، اجلسوا. فجلسوا المحارب والمسالم. فقال لهم: يا أهل المدينة، أستودعكم الله، وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم، ويجمعكم على خيركم؟
أتقولون: إن الله لم يستجب لكم وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟
أم تقولون: هان على الله دينه فلم يبالِ من وَلِي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون: لم يكن أخذٌ عن مشورة إنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذا عصته ولم يشاوروا في الإمامة؟ أم تقولون: إن الله لم يعلم عاقبة أمري![5]
وأخذ عثمان > يوضح لهم حرمة ما ينتوونه من قتله؛ فقال:
وأنشدكم بالله أتعلمون لي من سابقة خير وقدم خير قدمه الله لي ما يوجب على كل من جاء بعدي أن يعرفوا لي فضلها! فمهلاً لا تقتلوني؛ فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إيمانه، أو قتل نفسًا بغير حق؛ فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا[6].
ثم لزم عثمان > الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم، فرجعوا إلا الحسن بن علي وابن عباس ومحمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وأشباهًا لهم، واجتمع إليه ناس كثير، فكانت مدة الحصار أربعين يومًا، فلما مضت ثماني عشرة ليلة قدم ركبان من الأمصار فأخبروا بخبر من تهيأ إليهم من الجنود وشجعوا الناس، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء.فأرسل عثمان إلى علي سرًّا وإلى طلحة والزبير وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، إنهم قد منعوني الماء، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا. فكان أولهم إجابة علي، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عليٌّ في الغلس