عدد المساهمات : 57 العمر : 34 الموقع : لا يوجد انت شغال ايه ؟؟؟ : طالب المزاج ايه انهارده ؟؟؟ : عال العال المزاج : السٌّمعَة : 0 نقاط : 57358 تاريخ التسجيل : 11/03/2009
موضوع: الفتنة الكبرى - الجزء الثالث والأربعون الإثنين مارس 16, 2009 1:19 pm
طويلة قال فيها: المغرور والله من غررتموه، ولَمَن فارقكم فاز بالسهم الأصيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا منيت به منكم، عمي لا تبصرون، وبكم لا تنطقون، وصم لا تسمعون، إنا لله وإنا إليه راجعون.
يعلّق ابن كثير رحمه الله على هذا الأمر فيقول:
وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العرق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان؛ أعبدهم، وأزهدهم، وأعلمهم، وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه حتى كره الحياة، وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول:
ما يحبس أشقاها؟! أي ما الذي يجعل أشقاها ينتظر؟
وأشقاها هو مَنْ يقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فهو رضي الله عنه يريد أن يستريح من عناء هؤلاء القوم الذين يجادلونه، ولا يطيعون له أمرًا، ويتمنّى الموت حتى يفارقهم، وقد ورد في هذا أحاديث منها ما رواه الإمام أحمد بسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ الْخَوَارِجِ فِيهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْجَعْدُ بْنُ بَعْجَةَ، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَلِيُّ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ.
كان الخوارج لا يبرحون، كل مدّة يخرجون على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيقتل منهم الكثير، ثم يخرج عليه مرات ومرات، واستمرّت الأوضاع على هذا الاضطراب في العراق، بينما كانت الأوضاع هادئة في الشام، فقد كان أهلها يسمعون، ويطيعون لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وكان آخر ما فعله الخوارج في هذا التوقيت أن اجتمع ثلاثة منهم؛ عبد الرحمن بن ملجم الكندي، وكان في وجهه علامة السجود من كثرة العبادة، وكان معروفًا بها، وآخر اسمه البرك بن عبد الله التميمي، وآخر اسمه عمرو بن بكر التميمي، وتشاوروا فيما ينبغي أن يفعلوه، فهم غير راضين بأمر التحكيم، ويكفرون عليًا، ومعاوية ،وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعًا، ويكفرون كذلك كل من رضي بالتحكيم، وأخذوا يترحمون على إخوانهم الذين قتلوا في النهروان، وفي المعارك التي تلتها وقالوا:
ماذا نفعل بالبقاء بعدهم، إنهم والله كانوا لا يخافون في الله لومة لائم.
ثم قالوا: فلو شرينا أنفسنا من هذه الدنيا، فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم، فأرحنا منهم البلاد، وأخذنا منهم ثأر إخواننا.
فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم أمر علي بن أبي طالب.
وقال البرك: وأنا أكفيكم معاوية.
وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوهم في شهر رمضان، وكتموا الأمر عن الناس جميعًا إلا القليل، ومن هؤلاء القليل من تاب وحدّث بهذا الأمر.
ومما يُروى - ويصل إلى درجة الصحيح - أن امرأة تُسمّى قطام بنت الشجنة كانت فائقة الجمال، وقُتل أبوها وأخوها في يوم النهروان، جاءت إلى عبد الرحمن بن ملجم، وهو يتحدث مع بعض الناس في أمر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما رآها أراد أن يخطبها، فشرطت عليه أن يدفع ثلاثة آلاف درهم، وخادمًا، وجارية، وأن يقتل علي بن أبي طالب فقال: والله ما أتيت هذه البلدة - الكوفة - إلا لهذا الأمر.
فشجعته على هذا الأمر وتزوجها، فتجمّعت عليه النيّات.
وذهب عبد الرحمن بن ملجم لرجل آخر يُسمّى شبيب بن نجدة الشجعي، وقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟
فقال شبيب: وما ذاك؟
قال: قتل علي.
فقال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئًا إدًّا، كيف تقدر عليه؟
فهو يستنكر عليه أن يفكر في قتل علي رضي الله عنه؛ لأنه كان قويًا شجاعًا يهابه الرجال، وله مواقف عظيمة في الحروب، وبطولات رائعة في القتال، ثم هو أمير المؤمنين.
فقال: أكمن له في المسجد، فإذا خرج لصلاة الغداة- الفجر - شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا، وأدركنا ثأرنا، وإن قُتلنا فما عند الله خير.
فقال: ويحك، لو كان غير علي لكان أهون علي، قد عرفت سابقته في الإسلام، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجدني أنشرح صدرًا لقتله.
فقال: أما تعلم أنه قتل أهل النهروان؟ نقتله بهم.
وأخذ يحفزه، فوافقه على أن يساعده في هذا الأمر.
وتواعد عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر على يوم واحد يقتلون فيه الثلاثة عليًا، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ويخلّصون الأمة من أئمة الضلال في زعمهم.
فتواعدوا أن يقتلوا الثلاثة يوم السابع عشر من شهر رمضان، فتوجه البرك إلى دمشق حيث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وتوجه عمرو بن بكر إلى الفسطاط بمصر حيث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة حيث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
مقتل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
انتظر عبد الرحمن بن ملجم في فجر هذا اليوم حتى خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من بيته لصلاة الفجر، وأخذ يمرّ على الناس يوقظهم للصلاة، وكان لا يصطحب معه حراسًا، حتى اقترب من المسجد فضربه شبيب بن نجدة ضربة وقع منها على الأرض، لكنه لم يمت منها، فأمسك به ابن ملجم، وضربه بالسيف المسموم على رأسه، فسالت الدماء على لحيته، كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم مشهد قتله قبل ذلك.
ولما فعل ذلك عبد الرحمن بن ملجم قال: يا علي الحكم ليس لك ولا حكم إلا لله.
وأخذ يتلو قول الله تعالى: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ] {البقرة:207} .
ونادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم به.
فأمسكوا بعبد الرحمن بن ملجم، وفر شبيب في البلاد.
وقدم علي رضي الله عنه جعدة بن هبيرة رضي الله عنه ليصلّى بالناس صلاة الفجر، وحمله الناس إلى بيته، وعلم رضي الله عنه أن هذا السيف مسموم، وأنه ميّت لا محالة، وخاصّة أن هذه الضرية وقعت كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستدعى عبد الرحمن بن ملجم، وكان مكتوف الأيدي، فقال له علي رضي الله عنه: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته - أي السيف - أربعين صباحًا، وسألت الله أن يُقتل به شر خلقه.
فقال له علي: والله ما أراك إلا مقتولًا، وقد استجاب الله لك.
ثم قال علي رضي الله عنه: إن مت فاقتلوه، وإن عشت فأنا أعلم ماذا أفعل به.
فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، إن متَّ نبايع الحسن؟
فقال رضي الله عنه: لا آمركم ولا أنهاكم.
ولما احتضر رضي الله عنه جعل يكثر من قول لا إله إلا الله حتى تكون آخر كلامه، ثم أوصى الحسن والحسين بوصيته وكتباها:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون [قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ(162)لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ] {الأنعام:162،163} أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ صَلَاحَ ذَاتَ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
انظروا إلى ذوي أرحامكم، فصِلُوا؛ ليهون الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام، فلا تعفو أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم، والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم، والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ نِسَائِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
الصلاة الصلاة، لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر، والتقاطع، والتفرق، وتعاونوا على البر، والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام، ورحمة الله.
ثم لم ينطق رضي الله عنه بعد ذلك إلا بلا إله إلا الله حتى كانت آخر لحظة في حياته رضي الله عنه وأرضاه قرأ: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] {الزَّلزلة:7،8} .
ولقي ربه شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزوج ابنة رسول الله صلى اله عليه وسلم، وابن عمه.